في ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية التي تلاها السيد عبد الإله إبن كيران رئيس الحكومة
"الحمد لله ٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه٬
فخامة الرئيس الحسن وترا٬ الرئيس الدوري لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات في منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية٬
أصحاب الفخامة السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات٬ السيد كادري ديزيري أودراؤوغو٬ رئيس لجنة منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية.
أصحاب المعالي٬ حضرات السيدات والسادة٬
يسرنا أن نتوجه إلى الحضور الكرام في هذه الدورة العادية لرؤساء دول وحكومات منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية٬ المنعقدة في ياموسكرو في دولة الكوت ديفوار الأثيرة لدى كل المغاربة٬ متمنين لكم كامل النجاح في أشغالكم الهامة.
كما يسعدنا كثيرا أن تتاح لنا هذه الفرصة الجديدة لنتقاسم معكم ٬ أصحاب الفخامة والمعالي٬ جملة من الأفكار والملاحظات والاقتراحات.
فخامة الرئيس٬ أصحاب المعالي٬ حضرات السيدات والسادة٬
نود قبل كل شيء أن نؤكد بكل قوة مدى القيمة الاستراتيجية التي يوليها المغرب لعلاقاته التفضيلية مع منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية ومع كل البلدان الأعضاء فيها.
إنها علاقات نسجها التاريخ العريق الغني بشتى المبادلات٬ وبأواصر اللحمة والقرابة٬ والقيم الثقافية والدينية المشتركة ٬ علاقات ترسخت عبر المؤسسات منذ استقلال بلداننا٬ ثم توطدت وتطورت وتم إغناؤها على مر العقود الأخيرة٬ بفضل تضامن نموذجي وتعاون خاص بين دول الجنوب٬ خدمة لمصالح كل شعوبنا.
فمنذ اعتلائنا عرش أسلافنا المنعمين٬ ونحن نولي عناية خاصة لهذا المحور الأساسي في العلاقات الخارجية للمملكة المغربية٬ وللفلسفة الخاصة التي تغذيه ولما يطبعه من إنجازات في حقل التنمية البشرية.
فبفضل هذا العمل المشترك والمتقاسم٬ استطاع اليوم آلاف الطلبة المنحدرين من غرب أفريقيا والمستفيدين من منح دراسية مغربية٬ متابعة دراستهم في الجامعات والمعاهد العليا المغربية٬ في حين تتعزز فيه برامج ثنائية للتعليم والتكوين المهني.
ومن ناحية أخرى٬ تم إطلاق وإنجاز العشرات من مشاريع التعاون في ميادين تتسم بالأولوية في الفلاحة والماء والكهربة والتربية والصحة.
إن دول منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية تستقبل حاليا٬ بشكل منتظم٬ رحلات الخطوط الملكية المغربية٬ فيما ستفتح آخر خط جوي لها نحو الرأس الأخضر في الأيام القليلة القادمة.
أما الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص٬ فقد تطورت بدورها في السنين الأخيرة٬ بحيث أصبح المغرب يحتل الدرجة الأولى بين المستثمرين الأفارقة في هذه المنطقة.
فاستثمارات الخواص من المغاربة بدأت تغطي مجالات متعددة مثل البنكية والمالية والتأمين والاتصالات والبنيات التحتية والسكن والمناجم. كما فتحت آفاقا واعدة في مجال "الاقتصاد الأخضر" المناسب لأراضي غرب أفريقيا.
فخامة الرئيس٬ أصحاب المعالي٬ حضرات السيدات والسادة٬
وفي هذا المقام٬ نود أن نعرب لكم عن أملنا الوطيد في رؤية الدول المغاربية وهي تتوجه إليكم قريبا٬ متحدة ومتضامنة وملتزمة ببناء علاقات إقليمية مثمرة ومستقبلية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
فإذا كانت بلدان الاتحاد المغاربي الخمس٬ رغم كل الصعوبات والعراقيل التي تواجهها٬ قد تمكنت من تطوير الحوار مع دول غرب البحر المتوسط الخمس٬ وذلك منذ مدة ليست بالوجيزة٬ وكذلك مع الاتحاد الأوربي٬ فلماذا تتردد لفتح نفس الحوار مع دول الجوار الأقرب إليها في الجنوب٬ وهي التي تشاركها نفس التحديات والتهديدات٬ وتجمعها بها أواصر الأخوة والقرب وامتلاك إمكانات مشتركة ، فمن الشمال إلى الجنوب٬ ومرورا بالدول المغاربية وصحرائها٬ وبمناطق الساحل الكبير٬ وبأراضي غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي٬ تتشكل منطقة شاسعة تتداخل فيها ارتباطاتها وتأثرها المتبادل وتكاملها٬ بشكل متزايد. وبالرغم من أن العوامل الطبيعية والمناخية قد طبعت إطارنا الجغرافي بالتنوع الذي قامت عليه أوطاننا و تفاعلت معه بلداننا٬ فإن مجالاتنا في الشمال وغرب أفريقيا وكذا ساكنتها٬ تواجه تحديات مشتركة وتعيش رهانات متقاطعة سواء تعلق الأمر بالتنمية المستدامة أو بالأمن الجماعي. وتبقى الأجوبة الدائمة والإيجابية لهذه التحديات رهينة بتضافر الجهود التي علينا أن نبذلها في إطار من التناسق والتكامل.
إن الأزمة الحادة التي هزت دولة مالي الشقيقة لدليل واضح على عدم جدوى المقاربات الجزئية والانتقائية٬ أو الردود المجزأة لمواجهة واقع معقد ومتعدد الأبعاد٬ واقع يشكل خطرا على المنطقة برمتها. وقد أبانت هذه الأزمة عن وجوب اعتماد استراتيجية شاملة تعتمد على العمل الجماعي الذي ما فتئ المغرب ينادي به منذ سنوات عديدة. لقد استغلت الجماعات الظلامية المسلحة السنة المنصرمة كل أشكال الهشاشة المتفاقمة التي طالت دولة مالي والتي زادت من حدتها الانقسامات السياسية والخلافات العسكرية٬ ففرضت سيطرتها على شمال البلاد بأكمله٬ في فضاء متشابك من التحالفات المحلية والنزعات العرقية والمصالح اللامشروعة٬ فتمكنت من إخضاع أهاليها "لقوانين وقواعد" همجية غريبة كليا عن الممارسات الإسلامية العريقة التي اعتمدتها المنطقة منذ قرون في جو يطبعه الانسجام والتناسق.
ونظرا لموقعها على خط تنشط فيه حركات تتخطى الحدود الدولية لتهريب الأسلحة والمخدرات والأموال غير المشروعة والهجرة السرية٬ تحولت منطقة شمال مالي إلى منطقة "خارج القانون" ٬ وقبلة لعديد من الجماعات الإرهابية المستقلة المشكلة من عناصر تنتمي لجنسيات مختلفة تسعى إلى تحقيق أهداف وغايات تتجاوز بكثير الأراضي المالية. وبالفعل٬ فإن الهجوم العسكري الكبير الذي شن على جنوب مالي في العاشر من يناير المنصرم٬ لم يشكل خطرا فعليا على دولة مالي فحسب٬ مهددا بانهيار كيانها٬ بل مثل أيضا خطرا حقيقيا على دول الجوار والمنطقة بأكملها.
كما شكل هذا الاختراق تحديا حقيقيا بالنسبة للمجموعة الدولية التي سبق لها ٬ بضعة أيام قبل ذلك ٬ أن اعتمدت ٬ ضمن القرار 2085 لمجلس الأمن ٬ استراتيجية واضحة المعالم ومتناسقة المضامين ٬ استراتيجية كفيلة بتمكين دولة مالي الشقيقة من استرجاع سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية وإعادة نظامها الدستوري إلى نصابه.
وقد تم التأكيد ٬ في هذا القرار الملزم الصادر عن مجلس الأمن والمعتمد إبان الرئاسة المغربية للمجلس ٬ على أن الأزمة في مالي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ينبغي لكافة الدول الأعضاء حشد الجهود للتصدي له.
وأود في هذا الصدد الإشادة بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لالتزامها الرائد بالوقوف إلى جانب دولة مالي الشقيقة ولتقييمها الوضع القائم تقييما شموليا عادلا ووجيها٬ فضلا عن تعبئتها الحازمة على الصعيد الدولي٬ ولقدراتها التي مكنتها من الرد بالسرعة المطلوبة على الرغم من المعيقات العديدة التي اعترضت سبيلها من حيث اللوجيستيك والتمويل.
وقد كان لعطائكم الفضل في إغناء المجهود الفكري المبذول على الصعيد الدولي وتحديد موقف مجلس الأمن في هذا الشأن. كما أسهمت تعبئتكم إلى جانب القوات الفرنسية والمالية والتشادية في تحرير أقاليم ومدن تقع شمالي مالي وتسريع وتيرة تفعيل القرار 2085 في أبعاده الثلاث السياسية والأمنية والإنسانية. وفي الوقت الراهن ٬ الذي يدشن فيه مسلسل تسوية الأزمة في مالي مرحلة إجرائية جديدة ومختلفة٬ فإن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مدعوة إلى مواصلة جهود الوساطة والتيسير والحماية وتوطيد الاستقرار في فترة ما بعد النزاع.
وسوف تكون مبادرات المجموعة خلال الأطوار المصيرية والحساسة القادمة٬ حاسمة لمواكبة مالي٬ البلد ذي السيادة الكاملة٬ من أجل تفعيل "خارطة الطريق للفترة الانتقالية" وتحقيق مختلف الأهداف المسطرة من قبل مجلس الأمن. كما سيكون لكم دور أساسي في تحقيق الهدف المنشود المتمثل في تحويل المهمة الدولية لدعم مالي إلى عملية أممية لحفظ السلم تعمل بموجب انتداب محدد على توطيد الاستقرار في مالي.
ولن يتسنى للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ٬ من الناحية الموضوعية ٬ الاضطلاع بهذه المهمة التاريخية في غياب دعم سياسي ومالي ولوجيستيكي وازن ومناسب.
وبهذا الخصوص٬ ستواصل المملكة المغربية تحمل المسؤوليات المنوطة بها على الوجه الأكمل٬ سواء على الصعيد الثنائي باعتبارها جارا يؤمن بقيم التضامن٬ أو على المستوى الدولي باعتبارها شريكا يتوخى استتباب السلم والأمن في المنطقة.
وإيمانا منه بضرورة التصدي لتهديد شامل عن طريق رد شامل٬ وباعتباره من بين أشد المدافعين عن المقاربة التي تتبناها شبه منطقتكم٬ فلن يدخر بلدي جهدا لمواصلة تقديم الدعم للشعب المالي الشقيق في هذه المرحلة بالغة الحساسية وشديدة الاضطراب من تاريخه٬ حرصا منه على مواصلة العمل متعدد الأشكال الذي يقوم به بتشاور وثيق مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومنظمة الأمم المتحدة.
وفي سياق القرار الذي كان المغرب قد اتخذه في حينه٬ بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة للتخفيف من معاناة الآلاف من الماليين المهجرين إلى جنوب مالي أو اللاجئين إلى موريتانيا والنيجر وبوركينافاصو٬ فإنه سيظل يولي اهتماما بالغا للوضع الإنساني المقلق الذي يعيشه هذا البلد.
وبخصوص دعم التنمية٬ فإن المملكة المغربية عاقدة العزم على تمتين الروابط التقليدية للتعاون التقني التي تجمعها بمالي بالنظر إلى الاحتياجات الملحة والمستجدة التي يعرفها هذا البلد الشقيق في الميادين الاجتماعية والاقتصادية وفي مجال التكوين.
وفي سياق مساندة الجهود الخيرة التي تبذلها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا٬ فإن المغرب سيعمل على دعم المسلسل الضروري للمصالحة الوطنية في مالي والمنفتح على كافة الحساسيات التي تتعهد باحترام الوحدة الترابية٬ بعيدا عن اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف المسلح ودون أي اشتراطات. كما يأمل المغرب ٬ على وجه الخصوص ٬ العمل في إطار التقيد الصارم باحترام السيادة الكاملة لمالي ولحرية الاختيار لدى الماليين٬ على دعم أشغال "اللجنة الوطنية للحوار والمصالحة" المنصوص عليها لهذا الغرض.
ويكتسي إقرار كافة الفاعلين الماليين للنموذج المراد بناؤه والمراحل الواجب قطعها والوسائل اللازم تفعيلها أهمية قصوى. ذلك أن هذا الأمر لن يمكن من تجاوز التشنجات ونزاعات الماضي التي تزداد حدة وتفاقما بفعل الأحقاد والضغائن الناجمة عن الوضع الحالي فحسب٬ بل سيكون حافزا على العمل في أجواء مطبوعة بتهدئة الخواطر وإرساء أسس وحدوية سليمة ودائمة٬ لبناء حكامة وطنية سياسية ومجالية٬ تتماشى مع المعطيات الجغرافية والاقتصادية والثقافية لمختلف المناطق في البلاد.
وختاما٬ سيظل المغرب حريصا على اعتبار الوضع الأمني في مالي٬ الذي يرتبط ارتباطا وثيقا٬ حسب تصوره٬ بالوضع القائم في المنطقة برمتها٬ يندرج ضمن أولويات دبلوماسيته٬ سواء داخل المنتظم الأممي أو في أي سياق آخر.
كما أن المغرب يحدوه نفس المسعى المطبوع بروح الإرادة والالتزام٬ فيما يقوم به إزاء دولة غينيا بيساو الشقيقة التي تعيش وضعا سياسيا وأمنيا مقلقا للغاية. وبهذا الصدد٬ يتابع المغرب بدافع من التعاطف الجهود المبذولة من لدن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ويواكب بقوة المبادرات الإقليمية والدولية الداعمة لانتقال ديمقراطي تطبعه المصداقية ويهدف إلى تعزيز المؤسسات وتوطيد الاستقرار الأمني.
فخامة الرئيس٬ أصحاب المعالي٬ حضرات السيدات والسادة٬
إن المغرب ليعرب عن ارتياحه للأشواط التي قطعتها مجموعتكم منذ إنشائها عام 1975 ٬ وكذا لما عرفته المهمة الموكلة إليه من توسيع تدريجي ووجيه لنطاق الاختصاصات المنوطة بها.
وتشكل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ٬ اليوم إطارا يؤلف بين التطلعات المشروعة لشعوب منطقة غرب إفريقيا وفاعلا متميزا بالنسبة لشركائه الأفارقة والدوليين.
وفي ضوء التطورات المسجلة والطموحات المشتركة٬ أؤكد اليوم الإرادة التي تحدو المملكة المغربية لتعميق التعاون القائم مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا٬ من خلال فتح آفاق جديدة أمام وضعها كعضو مراقب٬ الشيء الذي سيضفي عليه مضامين عميقة ومتميزة٬ في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإستراتيجية.
وانطلاقا من المكاسب التي تحققت إلى حد الآن٬ سنتمكن من بناء شراكة متميزة ومواتية ومشبعة بروح الإرادة القوية والتضامن٬ لما فيه صالح شعوبنا الستة عشر وازدهارها٬ وتحقيقا لأهداف التقدم والاستقرار بها.
أشكركم على حسن انتباهكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".