الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
لقد ارتأينا ونحن نخلد في هذا اليوم الذكرى الخامسة لتحملنا أمانة قيادتك ألا يكون خطاب العرش لهذا العام مجرد حصيلة لما حققناه من منجزات على أهميتها. بل نريده رؤية مستقبلية للمضي قدما في توجهنا الاستراتيجي لبناء مغرب موحد، ديمقراطي ومتضامن منفتح ومتقدم، مغرب يعيش في انسجام وتفاعل مع عصره باذلا كل ما في وسعه لتحقيق الازدهار لأبنائه وفيا لجيرانه وشركائه مساهما في توطيد الأمن والسلم في محيطه الجهوي والدولي.
ولبلوغ هذا الهدف الأسمى، الذي يتطلب استمرارية، تتجاوز المدة الزمنية للانتداب البرلماني أو الحكومي، المرتبط بضوابط دستورية واستحقاقات سياسية محددة، لابد من وضع جدولة عقلانية، لبلورته في برامج كبرى، تعتمد الأسبقيات الملحة، وفق الإمكانات المتاحة.
وقد تولينا، منذ اعتلائنا العرش، ووفاء للبيعة الوثقى، المجسدة للعهد المتبادل بيننا، تحديد التوجهات الكبرى لمشروعنا المجتمعي الديمقراطي التنموي، على أن تقوم المؤسسات الدستورية، والهيئات السياسية، والقوى الحية في البلاد، بتجسيد هذه التوجهات على أرض الواقع، من خلال برامج مضبوطة في أهدافها، ووسائل تمويلها، وآماد إنجازها وتقييمها.
وانطلاقا من ذلك، فإن مجهودات المغرب يجب أن تنصب خلال الخمس سنوات القادمة باعتبارها موعدا لعدد من الاستحقاقات الهامة، على سبعة محاور رئيسية وهي.. إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء، وتحصين الانتقال الديمقراطي، والإسراع به قدما إلى الأمام، وترسيخ مبادىء المواطنة الملتزمة - عبر استكمال ميثاق التربية والتكوين، وإصلاح الحقلين الديني والثقافي - ووضع عقد اجتماعي جديد، والنهوض بالتنمية القروية وبالقطاع الفلاحي، وبناء اقتصاد عصري منتج ومتضامن وتنافسي، لكسب الرهانات الحيوية للعولمة والتبادل الحر، وتعزيز مكانة بلدنا، كقطب جهوي وفاعل دولي، في عالم يعرف تحولات حاسمة ومتسارعة.
شعبي العزيز،
ستظل أسبقية الأسبقيات بالنسبة للمغرب، إيجاد حل سياسي نهائي ومتفق عليه، بالنسبة للخلاف المفتعل حول صحرائنا. ولن ندخر جهدا مع الأمم المتحدة والدول المجاورة، وغيرها من شركاء المملكة، من أجل بلوغ ذلك، عبر تمكين أقاليمنا الصحراوية، من اختصاصات واسعة للتدبير الديمقراطي لشؤونها الجهوية، في إطار احترام سيادة المملكة، ووحدتها الترابية والوطنية، ومقدساتها وثوابتها. ويندرج هذا الحل السياسي ضمن منظور جيو استراتيجي واقتصادي، تستعيد المنطقة الجنوبية بفضلهما دورها التاريخي، بصفتها فضاء حيويا للمبادلات الاقتصادية والعلاقات الإنسانية، في مناخ يسوده الوئام والأمن، خدمة لسكانها، ولكل شعوب جيراننا وشركائنا، وتحقيقا للازدهار المشترك، المبني على الاندماج الاقتصادي المغاربي، باعتبار ذلك الوسيلة الناجعة، لضمان استقرار المنطقة وأمنها ورخائها.
كما أن هذا الحل يجسد حرصنا الأكيد على تحصين الانتقال الديمقراطي، والسير به قدما، بصفة لا رجعة فيها. وإننا لنعتبر هذا الانتقال، الهادف إلى التحديث الديمقراطي، ورشا مفتوحا، وبناء متواصلا، حققنا فيه مكاسب أساسية بمصداقية الانتخاب الحر للمؤسسات، وتوسيع فضاء المشاركة والحريات العامة، وتحديث وتوطيد استقلال القضاء، والنهوض بأوضاع المرأة، وإقرار مدونة متقدمة للأسرة وغيرها من الإصلاحات المؤسسية العميقة.
وإدراكا منا بأن أي إصلاح رهين بتأهيل الفاعلين والهيآت، فإنه ينبغي الانكباب، في إطار من التشاور، على إعداد قانون للأحزاب السياسية، لتأهيلها للقيام بدورها الدستوري، في تمثيل وتأطير المواطنين، وتأهيل نخب للمشاركة الديمقراطية، وخدمة الصالح العام، تكون صلة وصل قوية بين الدولة والمواطن، في تكامل مع تشجيع المبادرات الميدانية للمجتمع المدني. وإننا لحريصون على تقوية الهيئات السياسية، وإعادة الاعتبار للعمل الحزبي الجاد، بما يكفل انبثاق مشهد سياسي قائم على أقطاب قوية، متمايزة في رؤاها الواضحة. وهذا ما يجعلنا نتساءل.. هل سننتظر عشية الاستحقاق الانتخابي لسنة2007 للبحث عن تراض صوري ومرتجل، من شأنه أن يكرس بلقنة الخريطة السياسية ؟ كلا. لذلك ندعو الطبقة السياسية إلىتحمل مسؤوليتها، في جعل انتخابات2007 تشكل منعطفا هاما، لإعطاء دفعة قوية ونوعية، للمسار الديمقراطي، وبروز فضاء سياسي جديد، يتسم بأغلبية متماسكة، ومعارضة بناءة، تتنافسان وتتناوبان، بحسب نتائج الاقتراع، على حسن تدبير الشأن العام، من خلال نخب متجاوبة مع عصرها، لا تختزل نفسها في اليمين أو اليسار، وإنما تجعل من الحكم القويم، المحك الحقيقي، لممارسة العمل السياسي، بمفهومه النبيل.
وبما أن إصلاح الفضاء السياسي سيظل ناقصا بدون استكمال الإصلاح الشامل للمشهد الإعلامي، لترابطهما العضوي في دمقرطة الدولة والمجتمع، فإننا عازمون على مواصلة الإصلاحات الأساسية للمشهد الإعلامي الوطني، بما في ذلك إيجاد قانون منظم لاستطلاع الرأي، منتظرين من الحكومة العمل على انبثاق مؤسسات إعلامية مهنية، حرة ومسؤولة، بما في ذلك تمكين قطاع الصحافة المكتوبة، بتشاور وتعاقد مع مختلف الفاعلين من هيئة مهنية تمثيلية تسهر على تنظيمه وضبطه قانونيا وأخلاقيا وتحصينه من الممارسات المخلة بنبل رسالته.
فمنظورنا للإصلاح المؤسسي يستهدف عقلنة وتجديد المؤسسات، على درب توطيد دعائم دولة عصرية، وترسيخ ثقافة المواطنة، التي تتلازم فيها حقوق الإنسان بواجباته وبأجهزة حمايتهما من التجاوزات المنافية للقانون.
بيد أن المواطنة الفاعلة لن تستقيم إلا بالتنشئة الصالحة المرتكزة على الأركان الثلاثة المتكاملة للعقيدة السمحة والثقافة المنفتحة والتربية السليمة.
وإذا كنا قد قطعنا تقريبا نصف الطريق في تفعيل العشرية الوطنية للتربية والتكوين وفتحنا أوراشا هامة وسجلنا تقدما لا يستهان به هذا المجال الصعب فإنه يجب تكريس السنوات الخمس المتبقية لتدارك التعثر في هذا الإصلاح الحيوي بتعبئة كل الجهود لاستكمال الإصلاح الكيفي لا الكمي فقط، لمنظومتنا التربوية، وتبويء المدرسة المكانة التي تستحقها في المجتمع. وفي هذا الصدد، قررنا تنصيب المؤسسة الدستورية للمجلس الأعلى للتعليم، ليتولى، في تركيبة تجمع بين التمثيلية والتخصص، المهام المنوطة به، كقوة اقتراحية وتقويمية قارة ومتجردة، للإصلاح العميق والمستمر لمنظومة التعليم، مشيدين بما أنجزته اللجنة الوطنية الخاصة للتربية والتكوين، من عمل رائد، في هذا الورش المصيري، بروح وطنية وتبصر وإقدام، منتظرين من هذا المجلس مواصلة جهودها المخلصة، في تفعيل هذا الإصلاح الحاسم، ليأخذ مساره الصحيح، وسرعته القصوى.
كما أننا مصممون على مواصلة التفعيل الأمثل لإصلاح الشأن الديني، لترسيخ قيم ديننا الإسلامي الحنيف، والحفاظ على وحدة المذهب المالكي، مع اعتماد اجتهاد منفتح، يتماشى مع مستجدات العصر، تحصينا لأجيالنا من التيارات الدخيلة والهدامة. وإن إصلاح الحقل الديني، لا يستهدف فحسب التكامل مع الحقلين التربوي والثقافي، وإنما ينبغي أن يشمل كذلك إصلاح الحقل السياسي، الذي هو مجال الاختلاف الديمقراطي. وهو ما يقتضي أن يكون العمل السياسي بعيدا عن إقحام الدين فيه، لقدسية مبادئه المنزهة عن نوازع التفرقة، بسد الطريق أمام توظيفه السياسوي المغرض. فالسياسة والدين، في نظام الملكية الدستورية المغربية لا يجتمعان إلا في الملك أمير المؤمنين، حريصين في تقلدنا لهذه الأمانة العظمى، على أن تزاول السياسة، في نطاق المنظمات والمؤسسات والفضاءات الخاصة بها، وأن يمارس الشأن الديني داخل المجالس العلمية، والهيآت المؤهلة، والمساجد وأماكن العبادات، في ظل احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية، التي نحن لها ضامنون.
وبموازاة ذلك، فإننا ندعو إلى إيلاء الثقافة، بمفهومها الحضاري، المكانة اللائقة بها، باعتبارها ركنا أساسيا في توجهنا الاستراتيجي، الرامي لتمكين المغرب من مشروع ثقافي هادف، في مناخ من الحرية، المشجع على الإبداع والابتكار، المجسد للتنوع، والتفاعل بين الثقافات الجهوية والوطنية والكونية.
وفي عصر يعد الاستقرار والتطور الديمقراطي، محفزا أساسيا للاستثمار، فإنه يتعين علينا توظيف ما حققناه من مكاسب في هذا الشأن، لصالح تنمية مستدامة بوتيرة عالية. وإن حرصنا على الحفاظ على التوازنات الكبرى، تعزيزا للثقة والمصداقية اللتين يحظى بهما المغرب لدى شركائه، من مؤسسات مالية دولية ومستثمرين، في ظرفية دولية صعبة، لا يعادله إلا تأكيدنا لأهمية البعد الاجتماعي، ولتعبئة المصادر الوطنية لتمويل مشاريعنا التنموية على غرار صندوق الحسن الثاني للتنمية، والتعريف بما يضمنه المغرب من شروط الاستقبال والجاذبية، للمقاولات التي تبحث عن محيط ملائم للاستثمار.
وإدراكا منا بأن بناء اقتصاد عصري، رهين بإيجاد التجهيزات الأساسية، باعتبارها دعامة للتحديث الاقتصادي، والإقلاع التنموي، وأساسا للشراكة المثمرة، والتبادل الحر، والتفاعل الحضاري، فإن إنجاز مشروعنا الاستراتيجي، يتطلب الإسراع باستكمال مختلف البنيات التحتية، ولا سيما منها الشبكات الطرقية، سواء لفك العزلة عن العالم القروي، أو إنجاز البرنامج الوطني الطموح للطرق السيارة، وخصوصا منها الرابطة بين شمال المغرب وجنوبه ( طنجة - أكادير) عبر مراكش، وبين شماله الغربي وشرقه (فاس - وجدة) عبر تازة.
وإننا لنشيد، في هذا الصدد، بالنهج القويم الذي يسير عليه إنجاز المشروع الكبير لطنجة المتوسط، الذي يجب أن نعتبره نموذجا يحتذى في سواه من المشاريع الكبرى. هدفنا في ذلك تمكين كل جهات المملكة، من الاستثمار الأمثل لمؤهلاتها الغنية، في مجال التنمية الجهوية، والاندماج في النسيج الاقتصادي الوطني، مما سيعمق انتماء المغرب لفضائه الأورو متوسطي، ولمحيطه المغاربي والإفريقي والعربي، حتى يصبح قطبا محوريا وشريكا فاعلا في المبادلات الدولية، مندمجا في الاقتصاد العالمي.
وتلكم سبيلنا لبناء اقتصاد خلاق للثروات، وفرص للشغل لفائدة الشباب المغربي، جاعلين من مؤهلاتنا الطبيعية والحضارية، رافعة قوية للنهوض بقطاع السياحة، باعتباره من مقومات التنمية والانفتاح.
ولكون العالم القروي، هو الأكثر معاناة للعجز الاجتماعي، فإن التأهيل الشامل لاقتصادنا الوطني، لن يتم إلا باستراتيجية ناجعة للتنمية القروية، المبنية على تحويل القطاع الزراعي التقليدي، إلى فلاحة عصرية ومنتجة.
لذلك ينبغي نهج سياسة فلاحية جديدة، توطد ما حققه المغرب من تجهيزات ومنجزات، وتعتمد الاستثمار الأمثل لخصوصيات تربة كل جهة، للرفع من الانتاجية في الزراعة، والصناعات الفلاحية الأنسب لمؤهلاتها وثرواتها الطبيعية، مستشعرين مدى إكراهات البيئة، وندرة الموارد المائية، وزحف التصحر.
وسيظل إصلاح القطاع العمومي يتصدر اهتماماتنا. وبرغم ما عرفه هذا القطاع من تطور، فإنه لم يصل بعد إلى تحقيق التطلعات الكاملة لمواطنينا، والاستثمار الأمثل لكل القدرات التي تزخر بها بلادنا. لذا، يتعين إصلاح التدبير العمومي وعصرنة أجهزة الدولة، وعدم تمركزها، باعتماد خطة طموحة وجريئة، لتحديث القطاع العام، وإيجاد إدارة ذات موارد بشرية مؤهلة، قائمة على الاستحقاق، والجاذبية والتنافسية، وترشيد الإنفاق العمومي، وتخليق الحياة العامة.
ولن يأخذ الإقلاع الاقتصادي وتيرته القصوى بدون توفير المناخ الاجتماعي المشجع على الاستثمار والتشغيل. لذا، فإننا ندعو إلى إيجاد عقد اجتماعي جديد ينبثق عن تشاور واتفاق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين. وينبغي أن يأخذ هذا العقد صيغة ميثاق يرتكز على مجموعة تدابير شمولية ومتكاملة تتضمن الالتزام بسلم اجتماعية وتعزيز إصلاح مدونة الشغل بتنظيم حق الإضراب، لوضع حد لممارسته غير المقننة التي تزج بالاقتصاد الوطني في دوامة الإضراب العشوائي، الذي يفضي إلى الإضراب المضاد عن الاستثمار والنفور منه. كما يجب تفعيل وتوسيع الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ومكافحة كل أشكال الفقر والإقصاء، وترسيخ التضامن بين الأجيال باتخاذ التدابير اللازمة والمستعجلة لإنقاذ مستقبل أنظمة التقاعد، قبل فوات الأوان، وتوفير شروط الحياة الكريمة، بإيجاد سكن محترم للمواطنين والقضاء، طبقا لتوجيهاتنا،على أحياء الصفيح وعلى السكن غير اللائق.
ولأن توجهنا الاستراتيجي لبناء مغرب التقدم يشمل جميع المواطنين، حيثما كانوا، ولاسيما منهم المقيمين بالخارج، فقد دعونا، منذ اعتلائنا العرش، إلى سياسة جديدة في مجال الهجرة تساير التحولات البنيوية المتسارعة التي تعرفها جاليتنا بالخارج وتستجيب لتطلعات مختلف أجيالها وطموحاتها لتنمية المغرب وتحديثه و إشعاعه الخارجي، سياسة شمولية متعددة في أبعادها المؤسسية والديبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، متكاملة ومتناسقة في عمل الأجهزة المكلفة بها، متنوعة في صيغ مساهمة جاليتنا بالخارج في كل مجالات الحياة الوطنية. وفي هذا السياق، فإننا بصدد دراسة أفضل السبل لضمان مشاركة ناجعة وذات مصداقية لجاليتنا بالخارج في كل مؤسسات وفضاءات بناء المجتمع الديمقراطي التنموي.
وسنحرص على أن يتم ذلك في إطار من التشاور المثمر، مواصلين جهودنا للنهوض بأحوال هذه الفئة العزيزة من شعبنا الوفي، بمقاربة اندماجية تستهدف تقوية التضامن بين جميع المواطنين في الداخل والخارج، ليساهم كل من موقعه في خدمة وطنه المحتاج إلى كل أبنائه، باعتباره نموذجا للتشبع بالقيم الإسلامية والكونية، من إخاء وتسامح واعتدال، واثقين بأن المغاربة بالخارج سيظلون خير مجسد للتفاعل الايجابي بين مختلف الحضارات والثقافات.
شعبي العزيز،
إن وسيلتنا لبلوغ هذه الأهداف الكبرى هي الحكم القويم الذي تتكامل فيه السياسة الداخلية، القائمة على تعبئة كل إمكاناتنا الذاتية، مع سياسة خارجية قادرة على التفاعل مع التحولات الدولية المتسارعة. وذلك بالاستثمار الأمثل للتطور الديمقراطي للمغرب ورصيده الحضاري، وموقعه الجيو استراتيجي المتميز، كشريك دولي وقطب جهوي، لحسن الجوار والاعتدال والتسامح. ولتحقيق ذلك، فإننا حريصون على بلورة مفهومنا للديبلوماسية الفاعلة، الرسمية منها والموازية، المرتكزة على البعد الاقتصادي والأمن الشامل المتحركة في الدوائر الرئيسية الثلاث، للجوار والتضامن والشراكة. ديبلوماسية متجددة الهياكل، وملتزمة بالحوار والشرعية الدولية كوسيلة فعالة للمكافحة الجذرية للكراهية والتطرف والإرهاب ولانتشار أسلحة الدمار الشامل، حيثما كانت، والنضال مع دول الجنوب من أجل تحقيق التنمية المستدامة، في إطار الاندماج الإقليمي، والانخراط الايجابي في عولمة ذات بعد إنساني وإيجاد نظام عالمي جديد أكثر توازنا وإنصافا.
ففيما يخص علاقاتنا بجوارنا المباشر، نؤكد عزمنا الصادق على إعطائها انطلاقة جديدة، لاسيما مع الجزائر الشقيقة، وذلك بتفعيلها وتنقية أجوائها تجسيدا لطموح شعبينا إلى بناء مستقبل يطبعه التضامن والإخاء. وفي نفس السياق، نؤكد إرادتنا الثابتة على الرقي بمستوى العلاقات المتميزة مع موريتانيا الشقيقة، التي نوليها مكانة خاصة، مجددين عزمنا الراسخ على العمل الجاد، بالتشاور مع تونس وليبيا الشقيقتين، لتفعيل بناء الاتحاد المغاربي في إطار من الوضوح والالتزام والمصالح المشتركة واحترام سيادة الدول الأعضاء ووحدتها الترابية، بما يجعل من هذا الاتحاد فضاء للديمقراطية والتقدم والاستقرار والازدهار وقوة تفاوضية استراتيجية في محيطه الاورومتوسطي، ومع التكتلات الإقليمية والدولية.
وبنفس الحزم والعزم، فإننا لم نفتأ نجعل قارتنا الإفريقية في صدارة سياستنا الخارجية، مكرسين جهودنا لتعزيز علاقاتنا مع كافة بلدانها الشقيقة، ولاسيما منها الأقل نموا، عاملين على المساهمة في إنجاح مبادرة (النيباد) والمشاركة في العمليات الأممية، لحفظ الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الساحل وقارتنا الإفريقية بأسرها.
وبالنظر لكون منطقة غرب إفريقيا والساحل، تمثل امتدادا طبيعيا لجوار المغرب، فقد حرصنا، من خلال زيارتنا الأخيرة لخمسة من بلدانها الصديقة، على تجسيد ما تحظى به من مكانة خاصة، ضمن رؤيتنا الاستراتيجية، بحكم الروابط الحضارية العريقة التي تجمعنا بها، والتي نسعى لتوطيدها، بالمزيد من التعاون والتكامل الاقتصادي، والتضامن الفاعل لمواجهة المخاطر التي تهدد أمنها واستقرارها.
وعلى مستوى آخر، فإننا مرتاحون للتطور النموذجي الذي تشهده العلاقات الاستراتيجية المتعددة الأبعاد، مع الدول الأوروبية المجاورة. وفي هذا الصدد، فإننا نعتز بعلاقات الشراكة النموذجية والراسخة والمتجددة، التي تجمعنا بفرنسا. كما أننا عازمون على فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع المملكة الإسبانية، التي نتقاسم وإياها رصيدا تاريخيا وحضاريا، يزخر بمؤهلات واعدة، جديرة بالرقي بها إلى المستوى المتميز لعلاقة استراتيجية بين بلدين تجمعهما الشراكة وحسن الجوار. كما نشيد بالتطور الكيفي، الذي عرفته علاقاتنا مع باقي الدول الأوروبية، في التزام بسياسة القرب الجغرافي والتاريخي مع الاتحاد الأوروبي، الذي نشاطر جميع أعضائه، نفس انشغالات الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار، وتحقيق التنمية المشتركة. وإننا نعتبر أن إعطاء مدلول ملموس للجوار ولمصيرنا المشترك، ينبغي أن يمر عبر الارتقاء بشراكتنا إلى وضعية متقدمة، متجاوبة مع سياسة الاتحاد الأوروبي، ومنصفة للجهود التي بذلها المغرب، في مجال الإصلاحات الاقتصادية وترسيخ الديمقراطية، مستحضرين البعد الإنساني والحضاري في علاقاتنا بأوروبا، وغيرها من شركائنا، خاصة من خلال تواجد جالية مغربية، تحظى بكامل عنايتنا واهتمامنا.
وسيواصل المغرب القيام بدوره في الدفاع عن القضايا المصيرية والمصالح العليا للبلدان العربية والإسلامية. وسيلتنا إلىذلك العمل على تغليب نهج الحوار والتفاوض على منطق المواجهة والعنف. وهو ما يقتضي انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة، والعمل على التطبيق الفوري لخارطة الطريق، كمرحلة في اتجاه إيجاد سلام عادل ودائم وشامل، يضمن حقوق جميع شعوب المنطقة، بما فيها الشعب العراقي الشقيق، في السيادة والحرية، والاستقرار والازدهار، ويكفل إقامة دولة فلسطينية تتوفر على كل مقومات الاستمرار، عاصمتها القدس الشريف، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا سنواصل عملنا الدؤوب من أجل الحفاظ على هوية هذه المدينة المكلومة، كمهد ورمز للتعايش والتسامح بين أبناء الديانات السماوية. كما نشدد على ضرورة تمتين التضامن العربي والإسلامي وتحديث هياكله وآلياته، لتأهيله كي يحقق التطور الديمقراطي والاندماج الاقتصادي المنشودين.
وضمن رؤيتنا الشاملة لانفتاح المغرب على العولمة، تندرج سياسة الشراكة والتبادل الحر، وإبرام الاتفاقيات التفضيلية، التي ينهجها المغرب، في سياق تأهيل اقتصادنا، وتكريس الاختيارات الاستراتيجية لبلدنا. وبقدر ما نعتز بتمتين شراكتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فإننا عازمون على تطوريها وتنويعها وتوسيعها لتشمل، علاوة على شركائنا في إعلان أكادير، أصدقاءنا كروسيا والصين والهند وكندا واليابان، التي تربطنا بهم، منذ أمد طويل، علاقات متينة مبنية على التقدير المتبادل، والمصالح المشتركة.
وكما نجح المغرب في اجتياز المنعطفات الحاسمة، فإني واثق أنك، شعبي العزيز، ستعرف كيف تعبىء قواك الحية لرفع كل التحديات، وكسب رهانات هذه المرحلة الهامة، ملتحما بقيادتنا في مواصلة السير على النهج القويم، لجدنا ووالدنا المنعمين، جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، طيب الله ثراهما، وأحسن جزاءهما، عن جليل أعمالهما، لبناء مغرب الحرية والديمقراطية، والوحدة والتقدم. كما نترحم على الشهداء الأبطال، الذين استرخصوا أرواحهم في سبيل حرية الوطن ووحدته وسيادته، مشيدين بجهود قواتنا المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، ولا سيما القوات المرابطة في أقاليمنا الجنوبية، الساهرة تحت قيادتنا، على وحدتنا الترابية، مؤكدين حرصنا على تمكين أجهزتنا الأمنية من كل الوسائل القانونية والمادية والبشرية، لتنهض بدورها الفعال في الحفاظ على الأمن والاستقرار، في ظل سيادة القانون.
وإن خديمك الأول ليعاهد الله ويعاهدك، على أن نظل ساهرين على صيانة المقدسات والثوابت، مسلحين بالثقة في بلدنا، والإرادة الراسخة في صنع مستقبلنا، وإنجاز ما رسمناه من توجهات استراتيجية، يعتبر الانتقال الديمقراطي فيها الوسيلة الناجعة ليأخذ الإقلاع الاقتصادي وتيرته القصوى، بنمو قوي ومستمر، في مجتمع متوازن ومتضامن، تقوم فيه كل الفئات الاجتماعية، ولا سيما الوسطى منها، بدورها الفاعل، في التحفيز على قيم المبادرة والابتكار، والمواطنة الملتزمة، مستمدين من الله تعالى القوة والسداد، للسير بك ومعك، على هذا المسار الطويل إلى الأمام، بحزم وعزم، وحكمة وإقدام.
"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".