"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
شعبي العزيز،
بمشاعر فياضة بالابتهاج والافتخار نحيي ذكرى ثورة الملك والشعب هذه الذكرى التي تخلد التحام الامة جمعاء بقائدها وبطل تحريرها جلالة جدنا المقدس مولانا محمد الخامس تغمده الله بواسع رحمته وجزيل مغفرته.
وعلى الرغم من أنه مر على أحداث هذه الثورة نحو نصف قرن فان وقائعها ما تزال متمثلة في أذهان المغاربة المطبوعين على الوفاء والاخلاص ومرتسمة في قلوبهم يستحضرونها كل عام وسيظلون مستذكرين لها مهما امتدت السنون والأعوام ومن خلالها يسترجعون صحائف رائعة من التاريخ المجيد الذي كتبه أبناء هذا الوطن بدمائهم الزكية الطاهرة وبأحرف نورانية باهرة.
لقد شكلت هذه الثورة نقطة تحول بين مرحلتين جهاديتين تميزت الأولى بالكفاح الوطني الذي خاضه جدنا- نور الله ضريحه- ضد الاستعمار البغيض من أجل التحرر واستعادة السيادة مدركا أن بلوغ هذا الهدف مشروط بقيام اصلاح فكري ينطلق من التشبث بالعقيدة ويتخذ التعليم سبيله لتوعية جديدة.
وبهذا أمكن خوض النضال السياسي الذي برز في المواقف البطولية التي كانت لجلالته في مواجهة أعنف التحديات التي كانت تصدر من الاستعمار والتي بلغت مداها بنفيه وأسرته الشريفة بعيدا عن الوطن في تآمر على الشرعية والمشروعية.
وبفضل صموده- أكرم الله مثواه- وما لقي من مساندة قوية بلورها الشعب الأبي في افتداء ملكه وجعل تحرر المغرب رهينا بعودة ملكه الشرعي ورمز سيادته فشلت الموءامرة وعاد الملك المجاهد يحمل بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال والحرية.
وكان بعد هذا ان بلغ الجهاد مرحلته الثانية مرتبطة بالشروع في بناء مغرب حديث لم تلبث بعد وفاة القائد المحرر ان واصلها خلفه ووارث سره والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه فبنى وشيد وحدث وجدد وبوأ المغرب على عهده الزاهر الزاخر مكانة مرموقة تدعونا اليوم- وقد حملنا الامانة- الى متابعة المسير بايمان راسخ وخطى ثابتة وبعزم قوي على الاصلاح والتغيير وتحثنا على الدعاء بالمغفرة والرضوان لجدنا ووالدنا المكرمين وجميع شهداء الوطن الابرار وسائر المقاومين والمجاهدين الذين قدموا تضحيات جسيمة وافتدوا بالنفس والنفيس هذا المغرب الذي ننعم جميعا به في ظل الحرية والعزة والكرامة.
شعبي العزيز
إنه لمن حسن الطالع ويمنه أن تحل ذكرى هذه الثورة الخالدة في هذا اليوم المبارك المجيد وتحل غداته ذكرى ميلادنا السعيد. واعتزازا بما كان لجدنا رحمه الله من روءية مستقبلية متجددة حين قرر رحمه الله سنة 1956 احداث عيد الشباب وحدد له يوم ميلاد والدنا المنعم- ولي العهد يومئذ- باعتباره المثل الأعلى للشباب المتحمس لخوض معركة التنمية ومحاربة التخلف.
وجريا على العادة التي سنها والدنا المغفور له بجعل هذا العيد مناسبة تشاركه فيها أفراحه ومسراته وتقتسم معه مباهجه ومبراته وينتهزها لمخاطبة الشباب بغالي نصائحه وتوجيهاته يطيب لنا أن نحتفي بذكرى ميلادنا في نفس هذا الاطار الاحتفالي المجيد الذي نريده أن يكون فرصة متميزة للالتقاء بالأجيال الصاعدة والتواصل معها والتحفز مما ترمز اليه من تطلع وطموح وما يملأها من قوة واقدام لاثارة مختلف القضايا والمشاكل التي تواجهها والبحث عن حلول ناجعة لها والأخذ بيدها لتنفتح على المجتمع وتندمج فيه بمواطنة ايجابية فاعلة ولتوءدي بذلك رسالتها وتحقق ذاتها وما تتطلع اليه من عز ومجد يدركهما من كد وجد.
واذا ما تسنى هذا المطلب السامي للشباب الذي يهون عليه كل صعب والذي هو دعامة الغد المأمول أمكن التصدي الحازم لكل العوائق التي تكبل طاقاته وتستهدف زرع روح اليأس فيه وعزله عن واقعه بدفعه الى الانطواء أو الاستلاب وأمكن بذلك فتح مجالات واسعة لاستيعاب جميع الطاقات واستثمارها في الانشاء والتشييد والتعمير والتجديد وأمكن التجند للنهوض بمغربنا الحبيب بعزيمة ثابتة وبروءية متفائلة بعيدة الآفاق تنطلق من الكيان في مقومات شخصيته وأصالته لتساير العصر في شتى تطوراته ومستجداته وتتأهب لبناء المستقبل ورفع تحدياته.
شعبي العزيز،
وتبعا لما كنا بينا في خطاب الذكرى الأولى لاعتلائنا عرش أسلافنا الأماجد مبرزين أهمية التربية والتكوين في بلوغ التنمية الشاملة وادراك رقي المجتمع فقد قررنا اعطاء عناية خاصة لمحو الأمية التي ما زالت لللأسف متفشية في الحواضر والبوادي بنسب متفاوتة تتنافى مع وضع المغرب ومكانته وتطلعاته اذ تشكل عائقا يتطلب تعبئة مختلف الطاقات والفعاليات لاقتلاعه وازاحته.
فبموازاة مع ما تنهض به الأجهزة الحكومية المعنية بهذا القطاع وما يقوم به المجتمع المدني وتأكيدا لما كنا أبرزنا في خطابنا من ضرورة احياء دور المساجد وبعث رسالتها في تأطير المواطنين والمواطنات فقد أمرنا أن تفتح لدروس محو الأمية الأبجدية والدينية والوطنية والصحية وذلكم وفق برنامج محكم مضبوط كلفنا وزارة الأوقاف والشوءون الاسلامية بتنفيذه بكل ما يقتضي من مدرسين ومدرسات من المجازين العاطلين عن العمل وما يتطلب من كتب وأدوات وما إليها من تجهيزات.
وقد ارتأينا أن يبدأ هذا التنفيذ مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد في مجموعة من المساجد تم تحديدها على صعيد المغرب كله وأن تعطى فيها دروس تستجيب لحاجات المستهدفين وتواكب التطور والمستجدات.
واننا لنأمل أن نتابع هذا الانجاز الهام في السنوات الموالية بالزيادة في عدد المساجد وتوسيع مجالات المستفيدين والمستفيدات من هذه الحملة المباركة حتى لا تنقضي العشرية القادمة التي أردناها أن تكون للتربية والتكوين الا وقد تغلبنا على هذه الآفة.
شعبي العزيز..
الى جانب الاهتمام الذي نوليه لتنمية الموارد البشرية واعداد شبابنا لولوج مجتمع المعرفة والتواصل فاننا ما فتئنا منذ تحملنا أمانة قيادتك نتخذ المبادرات ونقود العمليات ونشحذ العزائم في سبيل تحقيق اقلاع اقتصادي وتنمية اجتماعية غايتنا المثلى تشغيل الشباب والنهوض بالعالم القروي والفئات الاجتماعية والمناطق المعوزة ووسيلتنا العملية هي حفز الاستثمار العام والخاص وتفعيل التضامن الاجتماعي والاستثمار الأرشد لمواردنا الطبيعية الغنية والمتنوعة وتعبئة كل الطاقات لخوض ما دعوناه في خطاب العرش الأخير بالجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي.
ومصداقا لما وعد الله سبحانه وتعالى به عباده المخلصين في قوله الكريم "إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا" فقد شاءت ارادته تعالى أن يمد جهادنا الاقتصادي والاجتماعي بطاقة أساسية لخوضه.
وانه ليسعدنا في غمرة الاحتفال بالمناسبتين المجيدتين أن نزف اليك- شعبي العزيز- بشرى اكتشاف النفط والغاز من النوع الجيد بناحية تالسينت بالأقاليم الشرقية العزيزة علينا بكميات وافرة.
واننا اذ نضرع الى الباري عز وجل أن يلهمنا شكر نعمته التي تفضل بها علينا لنهيب بكل فرد منك أن يقتدي بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ومبادرة سبطه خديمك المتواضع ملكك أمير الموءمنين في أداء صلاة شكر على هذه النعمة الربانية استجابة لقول الحق سبحانه "لئن شكرتم لأزيدنكم".
وكم كنا نتمنى لو أن والدنا المقدس كان هو المبشر لك بهذا الاكتشاف لما كان له- رحمه الله- من سهر على مصالحك العليا ومن سعي الى كل ما يفرحك ويسعدك وما كان له من نظرة بعيدة ومن حرص على أن يدخل المغرب الألفية الثالثة وهو موءهل لمواكبة التحولات العالمية الجديدة والمساهمة الفاعلة فيها.
اننا ونحن نزف اليك هذه البشرى حامدين الله على عنايته بهذا البلد الأمين لنحرص -شعبي العزيز- على أن نوءكد أن اكتشافنا للنفط بقدر ما يعني تحول المغرب من بلد مستورد لجميع حاجياته منه الى بلد تزخر أرضه المعطاء بهذه المادة الحيوية فانه لايعني بتاتا تحول المغرب الى بلد بترولي ذي اقتصاد ريعي مورده الأساسي والأوحد هو ثروته النفطية.
وكما دعونا المقاولة المواطنة الاجتماعية في خطاب العرش الى نبذ اقتصاد الريع وسلوك سبيل الاستثمار الخلاق المنتج فاننا نلح على أننا لن ننهج أبدا في استثمار ما حبانا الله من هذه المنة سبيلا تخلق به الدولة اقتصادا ريعيا أو مجتمعا استهلاكيا.
ان منظورنا لتدبير الثروة النفطية يرتكز على اعتبار البترول والغاز وقودا لتفعيل الاقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وتسريع وتيرتهما وأنه وسيلة وطاقة جديدة من بها الله علينا كي نضاعف من الجهد ومن العمل لتحقيقه وليست ولن تكون أبدا غاية في حد ذاتها أو ثروة تدعونا للتواكل والخمول والاستهلاك وتعطيل طاقاتنا وموءهلاتنا البشرية والطبيعية.
كما أن هذا المنظور ينبني على رصد ما قد يتوفر لنا من الاعتمادات المخصصة لاستيراده لاعطاء دفعة قوية للاستثمار في تأهيل مواردنا البشرية باعتبارها طاقتنا الأساسية وبالنظر لكون رأس المال البشري يشكل ثروة الاقتصاد الجديد وعماد تدبير وتحويل باقي الثروات الطبيعية.
وسنولي كذلك عنايتنا البالغة في مجال تمتين نسيجنا الاقتصادي وعصرنته لتنمية عالمنا القروي وفلاحتنا التي تشكل احدى مقومات هويتنا ومصدر دخل نصف شعبنا الأبي وملاذ تحقيق الأمن الغذائي لجميع رعايانا الأوفياء.
ان الثروة البترولية المكتشفة لن تشكل أبدا بديلا لثروتنا الفلاحية بل ستكون أداة اغناء لها ووسيلة لتكثيف البحث الزراعي للاستفادة من التطور التكنولوجي في ميدان الانتاج الفلاحي الذي سيزيد الفلاح تمسكا بأرضه المعطاء وفي مجال اقتصاد الماء ونوعية الزراعات المناسبة لمناخنا.
ونود أن نوءكد لك -شعبي العزيز- أن اكتشاف موارد مائية جديدة وحسن تدبير الموجود منها وضمان أمننا الغذائي لايقل أهمية عن اكتشاف الغاز والنفط. وعلاوة على استمرارنا في منح الأولوية للفلاحة والصناعات المرتبطة بها ومد بلادنا بما تحتاج من تجهيزات أساسية ومن سكن اجتماعي لائق فان الثروة النفطية المكتشفة لن تحجب عن بالنا اعطاء مكانة الصدارة لتقوية وتنمية قطاعاتنا المنتجة الواعدة والتي نتوفر فيها على قدرة تنافسية دولية والمتمثلة في السياحة والصيد البحري والتكنولوجيات الحديثة للاعلام والتواصل والخدمات والصناعة التقليدية والنسيج.
وفوق هذا وذاك فاننا نشدد على أن هذه المنة التي وهبنا اياها الله ستقوي ايماننا وانسانيتنا وستمدنا بطاقة جديدة للجد والاجتهاد والابتكار والمثابرة ونكران الذات والتعاضد والتكافل وغيرها من القيم الحضارية للاستقامة والصلاح والتربية وحسن الخلق والتشبث العميق بالهوية والثوابت والمقدسات والانفتاح الواسع على حضارة العصر والاعتدال والتسامح .. تلكم القيم والفضائل التي تشكل الجوهر الخالد للشخصية المغربية.
وذلكم ما سيمكننا من تحقيق نهضة تنموية شاملة تتضافر فيها جهودنا جميعا وتتكامل فيها التنمية الاقتصادية والتضامن الاجتماعي وتتوافر فيها للمواطنين والمواطنات حياة عزيزة كريمة تتيح لهم التمتع بجميع الحقوق التي تخولها دولة الحق والقانون والموءسسات والتي نحن لها ضامنون وعلى ترسيخها عازمون وفي نفس الوقت تيسر لهم أداء الواجبات التي هم بها ملزمون.
واننا في ذلك نستلهم روح ثورة الملك والشعب وتجددها بتجدد أجيال الشباب المتتالية الحاملة لمشعل الكفاح والتضحية ونجدد ءايات الشكر للمنعم العظيم على النحو الذي يحثنا الله عليه في قوله الكريم.. "فهل أنتم شاكرون "
صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".