"الحمد لله.. والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حجاجنا الميامين..
يسعدنا وأنتم تقصدون البقاع المقدسة لأداء شعائر الحج والعمرة أن نهنئكم على ان يسر الله لكم الاسباب وأزال عنكم الموانع ووفر لكم شرط الاستطاعة ممثثلين أمر الله العظيم إذ يقول '' ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين'' ومستجيبين لنداء سيدنا ابراهيم الخليل الذي أمره الله بقوله.. "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق".
حجاجنا الابرار
انكم ستحلون بتلكم الارض الطاهرة ضيوفا على الرحمان تحفكم عنايته الربانية وتشملكم الطافة الإلهية وأنواره القدسية وتملأ جوانحكم مشاعر ايمانية خالصة صافية وستتعيشون لحظات روحية وتحيون مواقف تنعمون بها وأنتم تؤدون مختلف مناسك هذه العبادة الجليلة متجلية في طوافكم ببيت الله الحرام وفي سعيكم بين الصفا والمروة وخلال وقوفكم بعرفات واثناء تنقلاتكم بمشاعر منى في تواضع المومنين الصادقين وإخبات الصالحين الورعين وإخلاص الصابرين الخاشعين آملين ان يشملكم وعد رسوله صلى الله عليه وسلم اذ يقول.. "العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة".
واعلموا رعاكم الله أنه لكي يتحقق هذا الاجر العظيم يلزم اعتبار التوجه الى الحج ليس مجرد سفر يقترن بطقوس تؤدى بطريقة آلية ولكنه شعائر غنية بالرموز ومناسك مليئة بالدلالات كلها تهدف الى تقوية الايمان بالله والتعلق بقدسيته والاحساس الباطني بها في تجرد من الشهوات والاهواء وفي وقوف خاشع بالتضرع والدعاء.
حجاجنا الكرام..
ان استحضار هذه المعاني السامية بما يقتضي من مراعاة حرمة الاماكن المقدسة هو الذي يجعل الحج عبادة مقبولة عند الله عز وجل وهو الذي يحقق كذلك الغاية المثلى منه باعتباره تجمعا اسلاميا كبيرا، ومؤتمرا فريدا ومتميزا يرمز الى الوحدة والتآلف والتلاحم. ففيه ستلتقون مع اخوان لكم مومنين مسلمين جاؤوا من القارات الخمس راجين مثلكم أن يمن الله عليهم بالتوبة النصوح وأن يتقبل منهم عبادتهم. وستكونون تحت رقابة الله الذي '' لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ''. فاحرصوا وفقكم الله على ان تبرزوا للعالم عظمة الاسلام وسماحته واعتداله ووسطيته وتعايشه وسلميته وكيف انه يسمو بأرواح اتباعه ويؤلف بين قلوبهم ويسوي بين أعراقهم والوانهم بالرغم من اختلاف عاداتهم ولغاتهم وحضاراتهم لافضل لاحد منهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح تجمعهم مشاعر موحدة وتستغرق أوقاتهم تلاوة كتاب الله وتدبر آياته وعبادته وذكره.
واستعينوا، رعاكم الله، للوصول الى ذلكم المستوى الرفيع بالحرص على اداء الاركان والواجبات وفعل السنن والمستحبات واجتنان المحرمات والمكروهات. فلقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاج بيت الله بغفران الذنوب وما يتبعه من نعيم الجنة اذا ما تجنبوا قبائح الاقوال والافعال وما اليها من فواحش واثام وكل ما يخرج عن طاعة الله من انواع المعاصي والشرور. فقال صلوات الله وسلامه عليه.."من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه ". فليكن شعاركم في كل الاحوال قول اله تعالى.."الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولى الالباب ".
فكونوا، امنكم الله، خير سفراء لبلادكم وملككم المعتز بكم وباخلاصكم وقدموا بصدق صورة جميلة ومشرفة عن المغرب وشعبه المعروف بمتانة عقيدته وقوة تمسكه بدينه وبغيرته على القيم والتحلي بالاخلاق الفاضلة والاجتماع حول كلمة واحدة، ولا يفوتكم ان تستفيدوا من الخدمات التي توفرها لكم البعثات العلمية والادارية والطبية التي امرنا وزارتنا في الاوقاف والشوءون الاسلامية بتهييئها وتزويدها مما يتيح لها اداء مهامها بنجاح وفعالية فتعاونوا مع افرادها باحترام وتلقائية وكونوا على صلة دائمة بها في اثناء تنقلاتكم واقامتكم حتى تنالوا من توجيهاتها وارشاداتها ما يخفف عنكم المشاق ويجعلكم مرتاحين ويمكنكم من التفرغ للعبادة بلسان الحال والمقال مطمئنين.
واستحضروا في حلكم وترحالكم حرمة تلكم الاماكن المقدسة وتدبروا قول الله فيها.." انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شىء وامرت ان اكون من المسلمين وان اتلوا القران " وقول جدنا المصطفى عليه افضل الصلاة وازكى السلام "ان هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها "، وعظموا مشاعرها التي يقول سبحانه فيها.. " ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ". وبهذه التقوى وذلكم التعظيم يباهى بكم الباري عز وجل ملائكته في الملإ الاعلى ويغفر ذنوبكم.
وسيتاح لكم في المدينة المنورة ان تزوروا قبر جدنا سيدنا محمد عليه افضل الصلاة وازكى السلام فالتزموا في هذه الزيارة بما تتطلب من احترام لمقامه الكريم وبالاداب التي ينبغي ان تتم بها حتى تفوزوا بما وعد به صلى الله عليه وسلم زائريه كما في الحديث الشريف.." من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي" وقوله عليه السلام "من زارني في قبري وجبت له شفاعتي".
حجاجنا الميامين..
لا يغيب عن بالكم ما يربطنا من علاقات وطيدة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وبخادم الحرمين الشريفين أخينا الأعز جلالة الملك فهد بن عبد العزيز واسرته الكريمة وما نكنه من تقدير لما تبذله حكومته الموقرة، وشعبه الابي من جهود لتوفير الراحة والامن لضيوف الرحمان كي يقضوا مناسكهم على الوجه المطلوب، فتعاونوا حفظكم الله مع الذين نصبوهم لخدمتكم واحترموا القوانين التي وضعوها لصالح الحجاج والمعتمرين وساعدوهم على القيام بواجباتهم الدينية والوطنية، وتنبهوا وانتم محرمون بالحج والعمرة إلى أن الحسنات والسيئات تعظم بعظم الزمان والمكان.
حجاجنا الابرار
لا تنسوا وانتم في تلك البقاع الطاهرة حيث تسكب العبرات وتقال العثرات وتجاب الدعوات ما عليكم من خالص الدعاء لعاهلكم وملك بلادكم امير المؤمنين فاسالوا الله لنا دوام العز والنصر والتمكين واطراد الرشاد والتوفيق وان يسبغ علينا سبحانه وتعالى رداء الصحة والعافية وان يعيننا على النهوض بمسؤوليتنا العظمى، في سياسة الدين والدنيا، وأن يشد أزرنا بصنونا المولى الرشيد وكل أفراد اسرتنا، ويقوي جانبنا بإجماع الامة الدائم علينا والتفافها حولنا، وان يصلح أحوالها وييسر امرها ويبعد عنها كل شر أو مكروه.
واسألوا الله تعالى أن يمطر شآبيب الرحمة والمغفرة والرضوان على والدنا جلالة الملك الحسن الثاني، وعلى جدنا جلالة الملك محمد الخامس قدس الله روحيهما ونور ضريحهما. واضرعوا إليه سبحانه ان يجمع شمل المسلمين في مشارق الارض ومغاربها وأن يوحد صفوفهم وأن يجمع كلمتهم على الحق وأن يوطد بينهم أواصر التضامن والتآزر والتعاون وان يهيء لنا ولهم من أمرنا رشدا وأن يلطف بنا وبهم فيما جرت به المقادير فإنه عز وجل يقول "ادعوني أستجب لكم".
جعل الله حجكم مبرورا، وسعيكم مشكورا، وذنبكم مغفورا، وكتب لكم السلامة في الذهاب والإياب، والحل والترحال، واعادكم إلى أهلكم ووطنكم فائزين غانمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".