وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابا إلى القمة العربية العادية الواحدة والعشرين التي افتتحت أشغالها اليوم الإثنين بالدوحة والتي يمثل جلالته فيها صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد .
وفي ما يلي نص الخطاب الملكي :
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
صاحب السمو، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس القمة،
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة،
معالي الأمين العام،
أصحاب المعالي والسعادة،
يطيب لي، في البداية، أن أتقدم بعبارات التقدير، لأخي المبجل، أمير دولة قطر الشقيقة، على جهوده المشكورة، لالتئام هذه القمة الهامة.
كما أنوه بما قام به أخي العزيز، فخامة الرئيس بشار الأسد، من مساع حميدة، خلال رئاسته السنوية لقمة دمشق.
وإن انعقاد هذه القمة، في سياق ظرفية عربية وإقليمية ودولية حاسمة، يقتضي من الجميع، تجسيد الالتزام الصادق والعمل البناء لبلوغ ما نتوخاه من إعادة ترتيب البيت العربي، على أسس سليمة ومتينة، من الوفاق والتعاون والتضامن.
ومن منطلق المصارحة الأخوية، فقد عبرنا، في حينه، عن انشغال المغرب بتفاقم الخلافات والانقسامات، التي تسيء لصورة الأمة العربية، وتحول دون تعبئة طاقاتها، للدفاع عن قضاياها المصيرية.
كما أكدنا بأن مخاطرها تسائل ضمائرنا بكل إلحاح، وخاصة في ظل تداعيات العدوان الإسرائيلي الغاشم، على قطاع غزة.
وإيمانا منا بأن تجاوز أوضاع التردي،لا يتم بمجرد التلويح بالشعارات الرنانة، ولا يمكن اختزاله في مجاملات ودية، أو مشاهد عابرة ؛ فقد دعونا لاعتماد استراتيجية قومية تضامنية، قائمة على مصالحة عربية جادة. وشاركنا، بصدق والتزام، في العمل العربي الجماعي لبلورتها؛ جاعلين المصالح العليا لأ متنا فوق كل اعتبار.
ولهذه الغاية، لم نفتأ نحرص على بناء مصالحة جادة، على أسس متينة من الا حترام المتبادل للثوابت الوطنية لدولنا ولسيادتها ووحدتها الترابية، وعلى تضافر جهودنا للدفاع عن قضايانا العادلة، وصيانة هويتنا، وأمننا القومي، بعيدا عن نزعات التقاطب، وتحصين بلداننا من التدخلات المبيتة. وذلكم هو المدخل الصحيح، لمصالحة حقيقية، عمادها تسوية كل النزاعات العالقة، في منطقتنا العربية، شرقا وغربا.
وفي هذا الصدد، نعرب عن تجاوبنا الكامل، مع المبادرة الوجيهة للمصالحة الصادقة، لأخينا الأعز الأكرم، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ؛ منوهين بأثرها الإيجابي، في تبديد أسباب الفرقة والخلاف.
وإننا لنحمد الله، على أن هدانا لنجتمع اليوم، في ظل بروز بوادر مشجعة، على جعل المصالحة العربية، الذاتية والبينية، عماد رفع التحديات الجسيمة الراهنة.
وفي هذا السياق، نشيد بالجهود الدؤوبة، لمصر الشقيقة، بقيادة أخينا الموقر، فخامة الرئيس، محمد حسني مبارك، في سبيل تحقيق مصالحة فلسطينية دائمة، عبر اتفاق وطني حول القضايا السياسية والتنظيمية والأمنية ؛ بدءا بتشكيل حكومة فلسطينية توافقية.
ونجدد، في هذه المناسبة، دعمنا الكامل للسلطة الوطنية الفلسطينية، بقيادة أخينا المبجل، فخامة الرئيس محمود عباس. كما نؤكد لكافة الإخوة الفلسطينيين أن المصالحة تبقى هي المدخل الأساسي لإعادة الإعمار، وتقوية الموقف التفاوضي الوطني الفلسطيني، في عملية السلام، على درب إقامة دولة مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
وإن انخراط المغرب في جهود المصالحة العربية، مثل التزامه بعملية السلام، ليجسدان خياره الاستراتيجي الراسخ في التعامل مع القضايا المصيرية لأمتنا، وفي طليعتها قضية فلسطين، بروح الحوار والتوافق والتضامن، وفي إطار الحق والشرعية.
ومن هذا المنطلق، نؤكد على أن المبادرة العربية، تظل خيارا شجاعا، لتحقيق السلام المنصف، على جميع المسارات، بما يكفل استرجاع كافة الأراضي العربية المحتلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات السلام الشامل والدائم.
وفي نطاق دعوتنا الملحة للقوى الفاعلة، في المجتمع الدولي والمنتظم الأممي، لتحريك عملية السلام ؛ ما فتئنا نؤكد، بصفتنا رئيسا للجنة القدس، على ضرورة احترام الوضع القانوني الخاص لهذه المدينة المكلومة، والحفاظ على هويتها العربية الإسلامية، وطابعها الحضاري، القائم على تعايش الثقافات والأديان السماوية.
وبموازاة مع مساعينا الدبلوماسية المتواصلة، ثنائيا وجهويا ودوليا، فإننا لن ندخر جهدا، في تجسيد دعمنا لإخواننا المقدسيين والفلسطينيين، في أعمال تضامنية، ومشاريع ميدانية ملموسة، للتخفيف من معاناتهم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن الأ سبقية التي تحظى بها القضايا السياسية، على أهميتها، لا ينبغي أن تحجب عنا الرهانات التنموية الكبرى، باعتبارها دعامة الأمن القومي، وجوهر انشغالا ت شعوبنا الشقيقة، والمحك الفعلي لمصداقية المصالحة لديها.
لذلك نعتبر أن انعقاد أول قمة اقتصادية عربية، بدولة الكويت الشقيقة، بمثابة انبثاق وعي جديد، بأن مناعة الأمة، تكمن في مدى قدرتها على التعاون التنموي، في فضاء اقتصادي عربي، حر ومنفتح، قائم على شراكات حقيقية، واندماجات إقليمية.
وإذ ننوه بالمساعي الخيرة، لأخينا المبجل، صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لإنجاح هذه القمة؛ نجدد التزامنا بتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
كما نؤكد على ضرورة التنفيذ الأمثل، لقرارات هذه القمة، وخاصة ما يتعلق منها بإنجاز التنمية البشرية، وتشجيع المبادلا ت التجارية، وحركية الاستثمارات، وحرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال ، فضلا عن العمل المتناسق لتنمية طاقاتنا الإنتاجية والتنافسية، وتقوية قدرات بلداننا على مواجهة الانعكاسات السلبية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية، على مخططاتنا التنموية.
والله تعالى نسأل أن يسدد خطانا، على درب التضامن والتآزر والوئام، في التزام بأواصر الأخوة، والعمل المشترك، لما فيه خير أمتنا، وتعزيز حضورها الوازن، جهويا ودوليا.
والسلا م عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".