(تلى الخطاب الملكي السيد محمد بن عيسى وزير الشؤون الخارجية والتعاون)
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
السيدين الرئيسين،
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة،
أود في البداية، أن أعرب عن جزيل شكري لفخامة رئيس جمهورية نيجيريا الفيدرالية، ولحكومتها وشعبها الشقيق، للجهود السخية التي بذلوها، لضمان نجاح هذه القمة.
كما يطيب لي أن أوجه هذا الخطاب، للقمة الأولى لدول إفريقيا وأمريكا الجنوبية، والتي تشكل، بلا شك، محطة هامة في العلاقات بين قارتينا. وهي مناسبة سعيدة لتثمين العلاقات التاريخية الراسخة التي تجمعهما، بهدف بلورة رؤية مستقبلية، تخدم المصالح المشتركة لدولنا. كما تتيح لنا أيضا هذه القمة الفرصة المواتية للاتفاق على إقامة شراكة استراتيجية، ترتكز على قيمنا المشتركة، المتمثلة في الحرية والديمقراطية والتضامن، وتطمح إلى تجسيد تعاون جنوب - جنوب، قائم على الاحترام المتبادل والتنمية المستدامة، وتحقيق الرخاء لشعوبنا.
فالعالم من حولنا يتطور بسرعة لا مثيل لها، مما يدفعنا باستمرار، لبذل المزيد من الجهود، لإيجاد الأجوبة والحلول المناسبة والجريئة للتحديات التي تواجهنا.
وتشكل قضايا السلم والأمن، والديمقراطية والحكامة الجيدة، وكذا التنمية الاقتصادية، وغيرها من المسائل الحيوية ذات الاهتمام المشترك، أهم هذه التحديات ؛ وذلك بالنظر لطابعها الحساس والاستعجالي.
إن اجتماعنا اليوم يعد حدثاً بالغ الأهمية، يعكس إرادتنا السياسية الجماعية القوية، ليس فقط لإعطاء دينامية جديدة لتعاوننا شبه الإقليمي، ولكن أيضاً لإرساء علاقاتنا المستقبلية على أسس جديدة، ولا سيما في مجالات التضامن والتعاون على تحقيق الرخاء المشترك، وكذا استثمار مؤهلاتنا الوطنية ومواردنا البشرية.
السيدين الرئيسين،
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة،
لقد قام والدي المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وعياً منه بما للعولمة من انعكاسات عديدة على اقتصاديات دول الجنوب، بالدعوة إلى وضع مخطط للتنمية الشاملة لفائدة إفريقيا، يرمي إلى تمكين الدول الإفريقية من الاندماج في المنظومة التجارية متعددة الأطراف، تمهيدا للانخراط في دينامية متواصلة من التطور الاقتصادي والاجتماعي، على صعيد قارتنا. وإنني لأدعو اليوم، شركاءنا بأمريكا الجنوبية إلى الانضمام لهذا المخطط والإسهام في تحقيقه.
وفي هذا السياق، فإنه من واجبنا، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، محاربة الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، وتسريع وتيرة الشراكة الاستراتيجية بين دولنا وتعزيزها، من أجل أن تشكل الركيزة الأساسية لانخراط اقتصادياتنا في المنظومة التجارية متعددة الأطراف.
كما يجدر العمل على تطوير تعاون مثمر، يعود بالنفع على مجموعتينا، ويقوم على تبادل الخبرات، وإيجاد آليات خلاقة، كالتعاون اللامركزي، والشراكة بين فعاليات القطاع الخاص ببلداننا، والتنسيق في عمل هيآت المجتمع المدني، وإقامة تحالفات اقتصادية استراتيجية، والتعاون الثلاثي.
السيدين الرئيسين،
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة،
إن ما قمنا به من جولات في العديد من الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية، وما أسهم به المغرب من مشاركة فعالة، في القمة الأولى للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، المنعقدة في برازيليا، في مايو 2005، كلها أعمال نابعة من الرؤية التي ننطلق منها لتعبئة الموارد والكفاءات والطاقات اللازمة، بهدف دعم وتمتين المسلسل الهادف إلى إرساء الاستقرار على الصعيد الإقليمي، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية، وتعزيز البناء الديمقراطي، واكتساب مقومات الحداثة في كلتا القارتين.
لقد أضحى التعاون جنوب - جنوب ضرورة حتمية في عالم تتسارع فيه وتيرة العولمة. وهو بذلك يشكل هدفا استراتيجيا بالنسبة لمنطقتينا، في أفق تحقيق التقدم والتنمية المستدامة، وبلوغ أهداف الألفية للتنمية.
ولا شك في أن العولمة تتيح فرصا جديدة ينبغي استثمارها، إلا أنها تطرح في الوقت ذاته، العديد من التحديات التي يتعين رفعها. لذا، فقد أصبح من الضروري توحيد قوانا، وتوظيف ما لدينا من إمكانيات، بهدف الاستفادة القصوى من منافع العولمة، وتقليص المخاطر الناجمة عنها، وتجنيب دولنا الوقوع في دائرة التهميش.
وبما أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لن يتأتى في ظل انعدام الاستقرار والتهديد باندلاع النزاعات المسلحة، فإن الاستقرار والأمن يشكلان مدخلين أساسيين لبلوغ أهداف التنمية الاقتصادية وتحقيق التقدم الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق، يتعين على منطقتينا تعميق انخراطهما في المسلسل الرامي إلى تعزيز أسس السلم والأمن، لاسيما داخل القارة الإفريقية، التي تعتبر الأكثر تضررا ومعاناة من مآسي النزاعات المسلحة.
وعلاوة على ذلك، فإن التعاون الوثيق بين المجموعتين كفيل ليس فقط بالرفع من تدفق المبادلات التجارية والاستثمارات بينها، بل سيكون له الفضل أيضا في انبثاق أقطاب اقتصادية، ذات قدرات تنافسية، تشكل قوى قادرة على الاقتراح والتفاوض على الصعيد الدولي.
إن بلوغ هذه الأهداف يتوقف حتماً على القيام بعدد من الأعمال، التي تأخذ في الاعتبار التجارب الناجحة للقطاع الخاص، الذي يشكل إلى جانب الدولة، إحدى الدعامات الأساسية للتنمية، وعنصراً محفزاً لدينامية المبادلات التي تتم في المقام الأول، على الصعيدين الإقليمي والقاري، ثم فيما بين القارات، قبل الارتقاء إلى المستوى الأكثر شمولية بالنسبة للتعاون جنوب - جنوب.
لقد أصبح من الثابت أن التبادل التجاري يعد من بين العوامل الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي. ولا أدل على ذلك من أن فضاءنا الذي يضم الدول الإفريقية ودول أمريكا الجنوبية، يشكل سوقاً ضخماً، يبلغ تعداد السكان المتواجدين داخله ملياراً وثلاثمائة مليون نسمة، بناتج داخلي خام يصل إلى 2180 مليار دولار، ينبغي أن تستفيد منه دول منطقتينا في المقام الأول.
السيدين الرئيسين،
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة،
إن المغرب الذي ظل دوماً أرضاً للقاء والحوار، وجسراً للتعاون بين العالم العربي والقارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية، انطلاقاً من تشبثه بقيم التضامن والالتزام تجاه هذه المجموعات، واعتباراً لثقته في ما تحمله هذه الشراكة، التي نعلن انطلاقتها اليوم من أبوجا من آفاق واعدة، لن يدخر جهداً من أجل ترجمة المبادئ التي تكرست في إعلان هذه القمة، إلى أعمال ملموسة، بما يستجيب للتطلعات المشروعة لدولنا وشعوبنا.
شكرا على حسن إصغائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".