"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
معالي الأمين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية،
معالي رئيس الجمعية البرلمانية للفرنكفونية،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا، بمناسبة انعقاد الدورة الثانية والثلاثين، للجمعية البرلمانية للفرنكفونية، بالمملكة المغربية، أن نرحب بكافة المشاركات والمشاركين الممثلين للشعب البرلمانية الأعضاء في جمعيتكم، والمنظمة الدولية للفرانكفونية. هذه الدورة التي نتطلع إلى أن تتوج أشغالها بقرارات وتوصيات، في مستوى المهام التي تضطلعون بها، في تعميق روابط التعاون والتضامن بين البرلمانات الأعضاء، وخدمة قضايا الأمن والسلام في العالم.
ونود في البداية أن نشيد بالدور الفاعل والمتميز الذي تقوم به جمعيتكم، كقوة اقتراحية وفضاء للتشاور والحوار، إلى جانب المنظمات البرلمانية الأخرى، دولية كانت أو جهوية أو قارية، في ميدان الدبلوماسية البرلمانية، وإشاعة قيم الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، وضمان مساهمة أفضل للمرأة في الحياة السياسية.
ولا شك أن جهودكم الدبلوماسية المتناسقة ستشكل لبنات أساسية في تحقيق التضامن بين الشعوب، والحوار بين الثقافات والحضارات، وتبادل التجارب في مجالات التربية والتكوين، وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، والتنمية الشاملة بكل أبعادها.
حضرات السيدات والسادة،
إن اختياركم لمسألة "حماية وتشجيع تنوع التعبيرات الثقافية والتنوع اللغوي" كموضوع رئيسي لهذه الدورة، ليكتسي أهمية بالغة في الظرفية الراهنة التي يجتازها عالمنا، في خضم التحديات الكبرى المطروحة على البشرية في بداية الألفية الثالثة، إذ أن هذه القضية تشكل مدخلا أساسيا وعاملا حاسما لتعزيز التسامح والحوار، وروح الانفتاح والتعايش، في مناخ من الثقة والتفاهم، بهدف ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة كل نزوعات التعصب والانغلاق، الرامية إلى ما يمكن اعتباره صراعا للجهالات.
ذلك أن الحضارات الكبرى لم تتطور ولم تتمكن من النمو والازدهار إلا من خلال الانفتاح على بعضها البعض، والاستفادة من إنجازاتها المشتركة.
وفي هذا السياق، يتعين علينا إيلاء اهتمام خاص للعمل على صيانة هذا التراث الثقافي الإنساني المشترك في تعدده وتنوعه، باعتباره حافزاً على الخلق والإبداع. وبالتالي رفض التوجهات ذات البعد الهيمني على المستوى الثقافي، عبر المحافظة على التنوع الثقافي، الذي يشكل أحد رهانات عصرنا الحالي، وكذا تشجيع كل المبادرات الهادفة في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار، فإننا نعتبر أن التعدد اللغوي، بالنظر لارتباط الثقافة باللغة ارتباطا عضويا، يشكل الأداة الضرورية للانفتاح والحوار بين الشعوب، وتوسيع الآفاق الفكرية.
وذلكم هو السبيل الذي اختارت المملكة المغربية نهجه من خلال سياساتها المتبعة في مختلف المجالات ذات الصلة. ولا غرو، فالمغرب، البلد ذو التاريخ العريق، الذي تشكلت ثقافته الوطنية، الغنية بتعدد روافدها، من خلال انصهار شتى مكوناتها العربية والأمازيغية والصحراوية والإفريقية والأندلسية، في بوثقة واحدة، مع انفتاحها على مختلف الثقافات المتوسطية، يعتبر دوما أن التنوع الثقافي على الصعيد الوطني وعلى الصعيد الدولي، مصدر إثراء وغنى.
ولذلك عملنا سواء من خلال سياستنا الوطنية الثقافية والتربوية والتعليمية، أو من خلال سياستنا الجهوية، على بذل كل الجهود وتوظيف كل الآليات الكفيلة بالمحافظة على التنوع الثقافي في المملكة، عبر الحث على تعلم اللغات الأجنبية في سن مبكرة، والمحافظة على الثقافات والتقاليد المحلية في كل تجلياتها الشفوية والمكتوبة والمادية.
ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن نعبر عن ترحيبنا بالاتفاقية المتعلقة بحماية وتشجيع تنوع التعبيرات الثقافية، التي توجد الآن في طور الإعداد النهائي، قصد اتخاذ الإجراءات الضرورية بشأن التصديق عليها من طرف المملكة المغربية.
حضرات السيدات والسادة،
إن المغرب الذي ينخرط اليوم، بكل تعبئة وحماس، في الأوراش الكبرى للإصلاح والتحديث، انسجاما مع القيم المشتركة والمثل العليا التي تقوم عليها مجموعتنا الفرنكفونية، ما فتئ يعمل على تحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ الديمقراطية، والنهوض بحقوق الإنسان، لاسيما من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والحرص على طي ملفات الماضي، بمتابعة وتنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وكذا تعزيز دور المرأة في المجال السياسي، وتمكينها من حقوقها كاملة، بإقرار مدونة الأسرة، وتعديل قانون الجنسية، والعمل على رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة.
كما أنه لم يأل جهدا في تجسيد تعاونه الدولي من خلال انخراطه في عمليات حفظ السلام في العالم، إيمانا منه بضرورة حل النزاعات بطرق سلمية. وفي هذا السياق، فإننا حريصون على مواصلة العمل الصادق من أجل إيجاد حل سياسي تفاوضي ونهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية، من خلال مقترح منح الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
حضرات السيدات والسادة،
إننا إذ نجدد الترحيب بكم، لنشكركم على اختياركم للمغرب، ولعاصمته الرباط، لعقد دورتكم السنوية، معبرين لكم عن كامل دعمنا ومساندتنا لبرامج عملكم، وعيا منا بالأهمية الخاصة التي تكتسيها جمعيتكم في تعزيز المساهمة البرلمانية والمشاركة الشعبية، في بناء عالم أوفر أمنا وأكثر توازنا وإنصافا، عالم متشبع بقيم التسامح والتعايش.
ونحن على يقين، بأن أشغالكم ستكلل بالتوفيق والنجاح، نظرا لما تتوفرون عليه من تجربة وخبرة، وللمستوى الرفيع للوفود المشاركة في هذه الدورة، واعتبارا لما لجمعيتكم من دور فاعل ووازن، بما يسهم في حماية وتشجيع التنوع الثقافي واللغوي، وإثراء الحضارة الإنسانية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".