"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،
أصحاب المعالي والسعادة،
يطيب لي أن أتوجه في البداية، إلى أخينا الموقر، فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، بصادق عبارات الامتنان والتقدير على احتضان بلده الشقيق لهذه القمة العربية الاعتيادية السنوية، متمنياً للشعب السوداني العريق المزيد من النماء والازدهار، في ظل الوحدة والوفاق، والمصالحة الوطنية.
كما أعرب في نفس السياق، لأخينا المبجل، فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن تنويهنا بالجهود المشكورة، التي بذلها خلال فترة رئاسته لمجلس الجامعة العربية، وبحرصه الدؤوب، على تنفيذ القرارات الهامة، الصادرة عن القمة العربية الأخيرة.
وإذا كنا نثمن ما أصبحت تلتزم به، ولله الحمد، آلية القمة من انتظام في عقد دوراتها، وتوجه إلى المعالجة الجوهرية لقضايا الأمن والاستقرار والتنمية بمنطقتنا العربية، فإن الأهم يظل هو تفعيل ما نتخذه من قرارات، بل والالتزام أمام أنفسنا وشعوبنا، بأن نجعل من كل دورة للقمة، نقلة نوعية في مسار التضامن العربي، والدفع قدماً نحو تعزيز العلاقات العربية العربية، بما يضمن انبثاق إرادة مشتركة للتعاون، وفق رؤية واقعية، متشبعة بروح العمل الجماعي.
فعلينا أن نجعل من هذه اللقاءات الدورية مناسبات للتباحث، حول السبل الكفيلة بتجسيد تطلعات شعوبنا، إلى الوحدة والالتحام، والتنسيق الفعلي في جهودنا التنموية، وكذا لتدارس ما يعترض أمتنا من مخاطر وأزمات، وما تعرفه المنطقة العربية، مع كامل الأسف، من أحداث مؤلمة وتطورات، وما تواجهه من إكراهات.
ولعل الرسوم المسيئة لأشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قد أظهرت الحاجة الملحة لتضافر جهود الجميع، حكومات ومنظمات دولية، وهيئات دينية ومفكرين وإعلاميين، وفعاليات المجتمع المدني، من أجل التصدي لهذا الحادث المؤسف، بالأسلوب الحضاري والحازم، انطلاقا من مبادئ ديننا الحنيف، ومن نبل ثوابته وتعاليمه الداعية للوئام والجنوح للسلم والتسامح والتعايش بين الأديان والحضارات.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب يدعو إلى وضع ميثاق دولي، يحدد قواعد الملاءمة بين حرية التعبير والرأي، وبين احترام المقدسات الدينية والمعتقدات الروحية لكل شعوب العالم. وبذلك نؤسس لحوار الحضارات وتفاعلها، لقطع الطريق أمام نزوعات الحقد والكراهية والتطرف، التي يروج لها بعض المتطرفين المنادين بصراع وتصادم الحضارات.
فخامة الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،
إن السبيل إلى مواجهة التهديدات المحدقة بأمتنا، ورفع التحديات التي تواجهها، يكمن في ضرورة توفير مناخ يطبعه الحوار والوضوح والتصافي لتنقية الأجواء البينية، وتجاوز العوائق الظرفية والموضوعية، من أجل التوصل إلى حلول للخلافات المزمنة، وذلك بشكل يحفظ حقوق الجميع، في الوحدة الترابية، والسيادة الوطنية، وحسن الجوار.
وفي هذا السياق، نؤكد لكم أن المملكة المغربية لن تدخر جهدا للدفع بالعمل الاندماجي العربي إلى أقصى الحدود، واستشراف مختلف السبل، ووضع الآليات الكفيلة باستثمار كل الفرص والمشاريع، من أجل إقامة شراكة حقيقية، ترتكز على جوانب التنمية البشرية، وتحسين الواقع المعيش للمواطنة العربية وللمواطن العربي على حد سواء.
وتتطلب هذه الشراكة، التي تقتضي أولا تقويم الاختلالات التي تعانيها المبادلات الاقتصادية والتجارية بين بلداننا، تدارك التخلف الذي تعرفه العلاقات الاقتصادية العربية، وكسب الرهانات التي تفرضها العولمة والتبادل الحر، لإقامة تكتل جهوي وازن في محيطنا الأورو-متوسطي، بحكم ما ينتظرنا من استحقاقات حاسمة، وكذا في عمقنا الإفريقي، الذي نعتز بالانتماء إليه.
فالأساليب المتبعة بين دولنا العربية، وشقيقاتها الإفريقية جنوب الصحراء، أبانت عن نوع من المحدودية والقصور، ليس فقط بفعل ظروف سياسية معينة، بل لعدم تكييف نمط التعاون مع الخصوصيات والأوضاع الإفريقية.
وقد حرص المغرب على إعطاء مضمون ملموس للتعاون جنوب-جنوب، وخاصة على المستوى الإفريقي، على أساس مقاربة تضامنية، ترتكز بصفة جوهرية على تكوين الإنسان والتجاوب الحقيقي مع المشاكل ذات الأولوية في مجالات محاربة الفقر وتأمين الرعاية الطبية ودعم الساكنة المهمشة في نطاق تعزيز التنمية البشرية الشاملة.
فخامة الرئيس،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
تظل قضية الشعب الفلسطيني الشقيق في صلب انشغالاتنا، في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمادى في رفض إنهاء هذا الصراع المرير، على أساس مبادئ وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، التي أقرت بقيام علاقات طبيعية مع إسرائيل، مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة.
وإذ نعرب عن تقديرنا للنزاهة والشفافية، التي طبعت الانتخابات التشريعية الفلسطينية تعبيراً عن اقتناع كل مكونات الشعب الفلسطيني بالخيار الديمقراطي، فإننا نعتبر الاستمرار في تقديم الدعم الدولي لمؤسساته التمثيلية، مساندة لذلك الخيار، وحثاً لهذه المؤسسات على ألا تدخر جهداً في الدفع قدما بعملية السلام، بما يضمن الحقوق الفلسطينية المشروعة، التي يجب أن تظل فوق كل الاعتبارات.
وإن المغرب، الذي لم يفتأ يدعم كل الجهود لخلق أجواء السلام والثقة في هذه المنطقة الحساسة، ليجدد مساندته المعهودة للقيادة الفلسطينية في شخص قائدها المتبصر، أخينا الأعز محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، لمواصلة نضالها الوطني من أجل التوصل إلى حل سلمي وعادل ودائم، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشريف، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
كما ندعو الأطراف المؤثرة، وخاصة "الرباعي الدولي" أن تتحمل مسؤولياتها، لإخراج عملية السلام من المأزق الخطير الذي آلت إليه، بسبب التعنت الإسرائيلي، وتماديه في فرض الأمر الواقع، في خرق سافر للشرعية الدولية والأوفاق المبرمة بين الأطراف المعنية مؤكدين رفضنا للحلول الأحادية الجانب، وخاصة ما يتعلق بقضايا الحل النهائي، وعلى رأسها موضوع الحدود وقضية القدس الشريف.
وبصفتنا رئيساً للجنة القدس، فإننا نعرب عن انشغالنا البالغ إزاء الحفريات والتغييرات البنيوية، والممارسات التي تقوم بها سلطات الاحتلال بالقدس الشريف، في تعارض صارخ مع القرارات الأممية، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مما يشكل انتهاكا خطيرا للخصوصية التاريخية لهذه المدينة المقدسة، التي يجب أن تبقى فضاء للتسامح والتعايش.
وإذ نعرب عن مشاعر تعاطفنا مع الشعب العراقي الشقيق، الذي يعيش ظروفا مأساوية، فإننا نشدد على ضرورة استرجاع كامل سيادته، والحفاظ على وحدة كيانه، واستكمال إقامة مؤسسات وطنية، تعيد الأمل إلى قلوب أبنائه، وتضمن لهم السلم والاستقرار والعيش الآمن. وإننا لنناشد كل القوى والأطياف السياسية والدينية، أن تلتزم بضبط النفس والتحلي بالحكمة، من أجل تجاوز هذه المحنة، ووقف دوامة العنف والدمار والإرهاب.
كما نؤكد دعمنا لمسيرة السلام والوحدة والوفاق بالسودان الشقيق، بقيادة أخينا العزيز، فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، مثمنين عاليا الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على سيادته ووحدته الترابية.
وإن المملكة المغربية، التي عملت دائما، بكل إخلاص ووفاء، على الالتحام العضوي بقضايانا العربية، لتؤكد استعدادها الدائم للإسهام، بثقة وأمل، في بناء نظام جماعي متطور وحيوي وفاعل. نظام قادر على تعبئة مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، لتنفيذ عمليات الإصلاح، في احترام كامل لخصوصيات شعوبنا، وللوحدة الوطنية والترابية لكل دولة من دولنا. وذلك هو السبيل القويم لإعادة الاعتبار لمجموعتنا العربية وتأهيلها، وضمان إسهامها الفعال في إغناء الحضارة الإنسانية، بعبقرية أبنائها وقيمها الخالدة.
والله تعالى نسأل أن يهدينا سواء السبيل، ويلهمنا الحكمة والرشاد، ويكلل أعمال هذه القمة، التي تعلق عليها شعوبنا الكثير من الآمال، بالنجاح والتوفيق . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".