"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
إن مخاطبتنا لكم اليوم بمناسبة توجيه رسالتنا الملكية لوزيرنا الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار، إنما تستهدف إبراز جوهرها ومراميها البعيدة. فهذه الرسالة تتوخى أكثر من إحداث شباك واحد أو مراكز جهوية للاستثمار; بل تتضمن رسائل متعددة عن توجهنا لترسيخ اللامركزية واللاتمركز والجهوية، التي نعتبرها القوام الموءسسي لمغرب اليوم والغد.
كما أنها تجسيد للبعد الاقتصادي لمفهومنا للسلطة بإزاحة كل العوائق الإدارية، أمام انطلاق حرية المبادرة الخاصة، المحرك الأساسي للاستثمار، وخلق الثروة، وحل معضلة البطالة، التي هي الهاجس الأكبر الذي يشغل بالنا، وبال كل أسرة مغربية.
وإذا كانت الدولة قد انتهجت، بتوجيه حكيم من والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، سياسة متدرجة في تحرير الاقتصاد واعتماد الخوصصة، وإيجاد هياكل قانونية عصرية، مما أعطى ثماره في بعض القطاعات; فقد ءالينا على نفسنا، منذ اعتلائنا العرش، أن نتصدى بكل حزم لعوائق الاستثمار.
وعملا على وضع حد لتعدد وتعقد الآليات القانونية والإدارية، مما أجهض كثيرا من مشاريع الاستثمار الوطنية والأجنبية، فإن رسالتنا تستهدف تبسيط الإجراءات الإدارية أمام المستثمر، الذي سيجد رهن إشارته المسوءول والمخاطب الوحيد، والمكان الأقرب الموحد، والوثيقة الموحدة، لإنشاء مقاولته أو تنمية استثماراته.
وهنا نود أن نوءكد بأن تفويض بعض الصلاحيات الوزارية للولاة في مجال الاستثمار لا يعني مطلقا تجاوز مسوءولية الحكومة، التي تظل أساسية وكاملة، في النهوض بالاستثمار، بتوفير الروءية الاستراتيجية وترتيب الأولويات في جميع مجالاته، وخلق المناخ المناسب لذلك، بتفعيل إصلاحات معقلنة ومبسطة ومحفزة على الاستثمار، للأنظمة القضائية والإدارية والجبائية، وللمناخ الاجتماعي.
وإذا كانت الإصلاحات، التي دعونا إليها، قد أنجز بعضها في مجال تحديث اقتصادنا وتأهيله للتنافسية، من خلال خفض كلفة الإنتاج، وتدخلات صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية; فإن بعضها الآخر لم ير النور بعد ويتعين الانكباب عليها باعتبارها أولويات مطلقة; مشددين على التفعيل الأمثل والشمولي للميثاق الوطني للتربية والتكوين، من أجل إزاحة العائق البنيوي لعملية التنمية، المتمثل في ضعف تأهيل الموارد البشرية.
كما ننتظر من حكومة جلالتنا أن تسهر على تطبيق رسالتنا، داخل الآجال المحددة، بروح الغيرة الوطنية; فضلا عن توفير الموارد المادية والبشرية اللازمة لإحداث هذه المراكز الجهوية، ولإيجاد إدارة جهوية مجمعة في أقطاب متجانسة.
أما السادة الولاة والعمال، فإننا نتوجه إليهم موءكدين ضرورة نهوضهم بالأمانة التي نلقيها اليوم على عاتقهم، بروح المواطنة، والالتزام بالقانون، والتنسيق مع السلطات العمومية، والمنتخبين والفاعلين الاقتصاديين، منتظرين منهم تحقيق النتائج الملموسة في مجال الاستثمار، والتي سنعتمدها معيارا لتقويم أدائهم.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كنا قد بلغنا نسبة ثلاثة ملايير من الدولارات، كاستثمارات خارجية، برسم سنة 2001 مما يدل على ثقة شركائنا في اقتصاد بلدنا واستقراره، فإنه يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن أغلب هذه الاستثمارات، قد تم في إطار عملية خوصصة مقاولات للقطاع العام; وأن محدوديتها تملي علينا ضرورة إيجاد مشاريع استثمارية لخلق ثروات جديدة.
فللمقاولين المغاربة، وخاصة الشباب منهم، ولشركائنا الأجانب نقول.. إن هذه الرسالة تعزز ضمانات النجاح الواثق لاستثماراتهم، في مغرب الحرية والديمقراطية والاستقرار.
إن العمل الذي نحن بصدده يستهدف التحول بالمغرب إلى اقتصاد منتج تنافسي ومجتمع حديث، تترسخ فيه ثقافة وممارسة التشاور والتعاقد; وذلك بتحديد أهداف وبرامج ومخططات، وتوفير وسائل إنجازها المشترك. وهذا يتطلب جهدا متواصلا، لا يقف فقط عند حدود تنصيب مراكز جهوية للاستثمار بل يتعداه إلى تأهيل اقتصادنا لرفع التحديات، التي تمليها علينا التزاماتنا الدولية، سواء في إطار منظمة التجارة العالمية، أو اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي، أو في نطاق خلق سوق حرة عربية ومتوسطية.
ولذلك نشدد على الانتباه إلى ما لاحظناه حتى الآن، من بوادر التراخي الاقتصادي، والانشغال المطلق بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي لا ينبغي أن تنسينا برغم أهميتها مشاكلنا الاقتصادية الحيوية; داعين كل فعاليات القطاع الخاص أن تعطي شحنة قوية لمعركة الإقلاع الاستثماري.
وأخيرا، فإن ختمنا لهذه الرسالة الملكية بطابعنا الشريف يضفي صبغة الظهير الشريف على مقتضياتها التي تعد من صلاحيات جلالتنا، ويجعل من أحكامها المتعلقة بالحكومة والولات بمثابة تعليمات، ومن تلك التي تدخل في اختصاص البرلمان والجماعات المحلية والفاعلين الاقتصاديين بمنزلة توجيهات سامية.
ولنا اليقين بأن تشبع الجميع بروح هذه الرسالة ومقاصدها النبيلة، وعملهم بمقتضاها، كفيل بإحداث قطيعة حقيقية وإيجابية مع الإجراءات والمفاهيم والعقليات، التي طالما عانى منها المستثمرون في علاقتهم بالإدارة، وجدير بجعلنا نرفع تحدي تحرير الطاقات الفردية والجماعية، والنهوض بالاستثمار الوطني والأجنبي، من أجل تحقيق تنمية أقوى، وأكثر استدامة وإنصافا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".